بدأت المعركة تشتد بين المرشحين للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، التي ستُعقد يوم الثلاثاء 5 نوفمبر من العام الجاري، وهما المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية، نائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس. ويبدو أن هناك تقاربًا شديدًا بين الطرفين، مع تقدم المرشح ترامب على منافسته بفارق ضئيل في آخر الاستطلاعات. ولكن السؤال الذي يطرحه الجميع، وتحديدًا الاقتصاديون والمستثمرون والمتداولون، هو: كيف سينعكس فوز أي منهما على الأسواق المالية؟
في البداية، دعونا نرى ما هي وجهة نظر كل منهما فيما يتعلق بعدة ملفات، سواء على صعيد السياسات المالية والنقدية والخارجية والتجارية والاستثمارية.
في حال فوز ترامب:
- السياسات المالية: يبدو أن السياسة المالية التوسعية ستكون السائدة في عهد ترامب، إذ تعهد بخفض الضرائب على إيرادات الشركات، مما قد يعطي زخمًا إيجابيًا لأسهم الشركات، حيث من المتوقع أن تزيد أرباحها، خاصة في قطاعات مثل التصنيع والطاقة والتكنولوجيا، وتحديدًا الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا.
- السياسات النقدية: من المحتمل أن تكون السياسة النقدية التوسعية سائدة في عهد ترامب، مع احتمال أن يضغط على المجلس الاحتياطي الفيدرالي لتخفيض معدلات الفائدة، مما قد يؤدي إلى دعم أسواق الأسهم، لكنه يزيد من المخاطر التضخمية على المدى البعيد.
- السياسات التجارية والعلاقات الخارجية: تبدو السياسة الخارجية لترامب ليست على أفضل حال، حيث توعد بفرض رسوم جمركية بنسب كبيرة على السلع المستوردة من الخارج، تحديدًا من الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك وغيرها من الدول، وذلك لدعم الصناعة الوطنية وشركات التصنيع المحلية. يعتبر أيضًا أن هذه الإيرادات الناتجة من الرسوم الجمركية ستعوض عن التخفيضات الضريبية المتوقع أن يقوم بها. والجدير بالذكر أن زيادة الرسوم الجمركية قد تنعكس على أسعار السلع والبضائع، حيث سترتفع، مما سيعاني منه المواطنون الأميركيون، وسيؤثر على التضخم الذي سيزداد أيضًا، مما سيؤثر على السياسة النقدية لدى الفيدرالي، حيث سيرفع أسعار الفائدة، وبالتالي قد نشهد زخمًا صعوديًا لمؤشر الدولار الأميركي.
- الاستثمارات في صناعة النفط: رفع ترامب شعار “سنحفر، يا عزيزي، سنحفر” واعدًا بتسهيل عمليات التنقيب بشكل أكبر وإلغاء القيود التي فرضتها إدارة بايدن على السيارات ومحطات الطاقة، مما سيعطي زخمًا إيجابيًا لأسعار النفط وقطاع الطاقة.
في حال فوز هاريس:
- السياسات المالية: من المرجح أن تعتمد هاريس سياسات ضريبية أكثر تشددًا تجاه الشركات والأثرياء، مما قد يعطي زخمًا هبوطيًا على أسهم الشركات، حيث قد تضغط على أرباح الشركات الكبرى، خاصة في قطاع التكنولوجيا.
- السياسات النقدية: من المحتمل أن تدعم هاريس سياسة نقدية أكثر تشددًا لمعالجة التضخم، وهو ما قد يؤثر على سيولة السوق ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، مما قد يضغط على سوق الأسهم، خاصة على الأسهم ذات النمو العالي.
- السياسات التجارية والعلاقات الخارجية: من المرجح أن تكون علاقتها مع الخارج أقل عدوانية، وجيدة خاصةً مع الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك، مما قد يخفف من عدم اليقين في الأسواق.
- الاستثمارات في الطاقة النظيفة: من المحتمل أن تركز هاريس على الاستثمار في الطاقة النظيفة والبنية التحتية، مما قد يدعم الشركات العاملة في تلك القطاعات. هذه السياسات قد تعزز من نمو الصناعات المستدامة والطاقة المتجددة.
ما هي توقعات تحركات الأصول المالية في حال فوز ترامب؟
في ظل السياسات النقدية والمالية التوسعية التي من المتوقع أن يعتمدها ترامب، بالإضافة إلى عدم اليقين فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وإمكانية فرض رسوم جمركية كبيرة على السلع المستوردة من الصين والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، من المحتمل أن نشهد ارتفاعًا في معدلات التضخم. وبالتالي، من الممكن أن يرتفع مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس أداء الدولار مقابل سلة من ست عملات رئيسية، ليصل إلى مستويات تتراوح بين 107.00 و114.00 نقطة، بالإضافة إلى ارتفاع في عوائد سندات الخزانة الأميركية (أي تراجع في أسعار سندات الخزانة) بمختلف آجالها، مثل عائد سندات لأجل عامين الذي من المرجح أن يتجاوز مستوى 5.00%.
أما بالنسبة للذهب، فإن شراء البنوك المركزية العالمية للذهب، خاصةً دول الـ BRICS التي تبتعد عن الدولار، سيستمر أيضًا مع وصول ترامب، بالإضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية في جميع أنحاء العالم وارتفاع التضخم العالمي، مما قد يعطي زخمًا صعوديًا للذهب، الذي قد يصل إلى مستويات سعرية تتراوح بين 2,800 و3,000 دولار.
في ما يخص الأسهم العالمية، من الممكن أن نشهد صعودًا للأسهم الأميركية، تحديدًا في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والتصنيع. أي أننا قد نستمر في تسجيل مستويات قياسية للمؤشرات الأميركية مثل ناسداك 100 وS&P 500 والداو جونز. بالمقابل، من الممكن أن نشهد هبوطًا للمؤشرات الأوروبية والصينية بسبب التوترات التجارية المحتملة بين إدارة ترامب والأطراف الخارجية الأخرى، بالإضافة إلى عدم اليقين الاقتصادي في الصين وأوروبا.
أما بالنسبة للعملات المشفرة، وتحديدًا العملة الرائدة “بتكوين”، فمن الممكن أن تسجل مستويات قياسية جديدة وصولًا إلى مستوى 100,000 دولار، خاصةً مع تعهد ترامب بجعل الولايات المتحدة عاصمة العملات المشفرة في العالم. أما بالنسبة لليورو، فمن الممكن أن نشهد ضعفًا وتعادل اليورو مقابل الدولار، وقد يتراوح سعر صرف زوج اليورو مقابل الدولار بين 0.9500 و1.0500. أما فيما يتعلق بزوج الدولار الأميركي مقابل اليوان الصيني، فهناك احتمال أن يرتفع إلى مستويات تتراوح بين 7.2500 و7.3500.
أما بالنسبة لأسعار النفط الخام، فهناك ضبابية وحالة عدم يقين، خاصةً أن هناك عوامل عديدة تؤثر على السوق النفطي مثل تأثير OPEC+ على الإنتاج والمعروض، بالإضافة إلى المعروض خارج OPEC+ مثل كندا والبرازيل وأميركا وغيرها، وأيضًا حجم الطلب على النفط، ولكن من الممكن أن نشهد بعض الدعم من إدارة ترامب، حيث وعد ترامب بتسهيل عمليات التنقيب.
ما هي توقعات تحركات الأصول المالية في حال فوز هاريس؟
في ظل العلاقات الخارجية الجيدة بين إدارة هاريس والدول الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي، ورغم أيضًا العلاقة السيئة مع الصين، ولكنها تبقى أفضل نوعًا ما مقارنةً بإدارة ترامب والصين، بالإضافة إلى إمكانية أن نشهد ارتفاعًا في معدلات التضخم بسبب استمرار الإنفاق المالي وارتفاع الدين الأميركي والعجز المالي، وبالتالي، من الممكن أن نشهد استقرارًا لمؤشر الدولار الأميركي مع الميل إلى الارتفاع، ليتداول بين مستويات تتراوح بين 100.00 و110.00 نقطة.
أما بالنسبة للذهب، فإن استمرار شراء البنوك المركزية العالمية للذهب، خاصةً دول الـ BRICS التي تبتعد عن الدولار، بالإضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية في جميع أنحاء العالم وارتفاع التضخم العالمي، مما قد يعطي زخمًا صعوديًا للذهب، الذي قد يصل إلى مستويات سعرية تتراوح بين 2,800 و3,000 دولار.
في ما يخص الأسهم العالمية، من الممكن أن نشهد صعودًا للأسهم الأميركية، تحديدًا في القطاعات المتعلقة بالطاقة الشمسية والطاقة النظيفة، بالإضافة إلى الرعاية الصحية. ولكن قد نشهد ضغوطات على المؤشرات الأميركية مثل ناسداك 100 وS&P 500 والداو جونز. أما بالنسبة للمؤشرات الأوروبية، فقد نشهد ارتفاعًا بظل العلاقة التجارية الجيدة بين أميركا وأوروبا.
أما بالنسبة للعملات المشفرة، وتحديدًا العملة الرائدة “بتكوين”، فمن الممكن أن نشهد مستويات قياسية جديدة أيضًا، ولكن يبقى الحذر موجودًا، خاصةً من ناحية تنظيم العملات المشفرة من قبل هيئة الأسواق المالية والبورصات الأميركية. أما بالنسبة لليورو، فمن الممكن أن نشهد زخمًا إيجابيًا لزوج اليورو مقابل الدولار، حيث من الممكن أن يتراوح سعره بين 1.0500 و1.1500. أما فيما يتعلق بزوج الدولار الأميركي مقابل اليوان الصيني، فهناك احتمال أن يسجل مستويات تتراوح بين 7.0000 و7.3000.
أما بالنسبة لأسعار النفط الخام، فهناك ضبابية وحالة عدم يقين، خاصةً أن هناك عوامل عديدة تؤثر على السوق النفطي، ولكن من الممكن أن نشهد ضغوطًا سلبية في عهد إدارة هاريس، حيث إنها صرحت بأنها ستدعم الطاقة النظيفة.
خلاصةً، يمكننا أن نقول إنه لا شك بأننا سوف نشهد تقلبات عالية في الأسواق المالية بعد وصول أي من المرشحين إلى سدة الرئاسة، وذلك لعدة أسباب، منها عدم اليقين الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية وضبابية السياسات النقدية والمالية في العالم. وبالتالي، يجب توخي الحذر عند اختيار الأصول المالية في محفظتنا الاستثمارية، مع أهمية التنويع والانتقائية.
يرجى ملاحظة أن هذا التحليل يُقدّم لأغراض إعلامية فقط ولا ينبغي اعتباره نصيحة استثمارية. ينطوي التداول على مخاطر عالية.
