يبدو أن عامل الارتباط بين الذهب والدولار الأميركي بات إيجابيًا، وذلك خلافًا لما تعودنا عليه تمامًا، إذ لطالما شهدنا علاقة عكسية بينهما. وقد شهدنا على ذلك العام الماضي، وبشكل واضح، قوة لهذين الأصلين، حيث ارتفع الذهب بنسبة 27%؛ أما مؤشر الدولار فقد ارتفع بنحو 7%. ويبدو أن الزخم الإيجابي لهذين الأصلين قد يستمر في المرحلة القادمة، وذلك لعدة عوامل، منها المشتركة والأخرى المختلفة.
العامل المشترك هو اعتبار الأصلين ملاذًا آمنًا ضد المخاطر والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية، ومخاوف من اتساع رقعة الحرب، مما يزيد جاذبية هذين الأصلين ولجوء المستثمرين إليهما.
أما بالنسبة للعوامل المختلفة، فقوة الذهب ناتجة عن الأسباب التالية على سبيل المثال لا الحصر:
- استمرار عمليات الشراء من قبل البنوك المركزية العالمية، وعلى رأسها بنك الشعب الصيني
. • استمرار الطلب من قبل المستهلكين الصينيين تحوطًا من المخاطر الاقتصادية التي تشهدها الصين، خاصة في ما يتعلق بأزمة قطاع العقارات الذي لا يزال مضطربًا.
- تحوط ضد التضخم الذي لا يزال راسخًا، خاصة التضخم الأميركي الذي سجل 2.7% في شهر نوفمبر 2024.
- توقعات المخطط النقطي بتخفيض الفائدة الأميركية مرتين هذا العام، مما سيعطي زخمًا إيجابيًا للمعدن الأصفر الذي لا يدر أي عائد على المستثمرين. فكلما هبطت معدلات الفائدة، زادت جاذبية الذهب.
وقد عدل بنك غولدمان ساكس توقعاته لأسعار الذهب، حيث أشار إلى أنها ستصل إلى 3,000 دولار في منتصف عام 2026 بدلًا من نهاية العام الحالي، مشيرًا إلى أن الطلب من البنوك المركزية سيظل المحرك الرئيسي على المدى الطويل.
أما بالنسبة للعوامل التي تدعم الدولار الأميركي، فأبرزها:
- تفوق معظم البيانات الاقتصادية الأميركية على توقعات المحللين، مثل مؤشرات مديري المشتريات غير الصناعي الصادر عن معهد إدارة التوريدات (ISM) الذي سجل بالأمس نموًا بنسبة 54.1 نقطة، وهو رقم أعلى من التوقعات (53.5) والقراءة السابقة (52.1) ، وكذلك فرص العمل الذي سجل 8.098 مليون، وهو رقم أعلى من التوقعات (7.730 مليون) والقراءة السابقة (7.839 مليون) ، ما يشير إلى استمرار مرونة الاقتصاد الأميركي.
- تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الحذرة والمتشددة، خاصة فيما يتعلق بالتضخم، حيث أشار إلى أن الوصول إلى هدف التضخم البالغ 2% قد يستغرق عامًا أو عامين. بالإضافة إلى ذلك، تم نشر مخطط النقاط (Dot plot) الخاص بالفيدرالي، الذي أشار إلى خفض الفائدة مرتين في العام المقبل، بعد أن كانت توقعات الـ Dot plot في سبتمبر تشير إلى أربعة تخفيضات. هذا يعكس تراجعًا في وتيرة خفض أسعار الفائدة، مما انعكس إيجابًا على الدولار الأميركي.
- السياسات التجارية لدونالد ترامب، حيث توعد بفرض رسوم جمركية بنسب كبيرة على السلع المستوردة من الخارج. كما تعهد أيضًا بخفض الضرائب على إيرادات الشركات، بالإضافة إلى إغلاق الحدود مع المكسيك ومنع إدخال عمال غير شرعيين إلى أميركا، وهو ما سيغذي التضخم مجددًا، وبالتالي قد نشهد زخمًا صعوديًا لمؤشر الدولار الأميركي.
ويبدو أن المؤشرات الفنية قد تدعم أسعار الذهب في المرحلة المقبلة لعدة أسباب:
أولاً: تقارب متوسط المتحرك لمدة 20 يومًا الذي يقف عند 2,640 دولار تقريبًا من متوسط الـ 50 يومًا الذي يقف عند 2,653 دولار. وأي تقاطع صعودي بينهما قد يشير إلى الزخم الصعودي للمعدن الأصفر
. ثانيًا: مؤشر القوة النسبية (RSI) الذي يسجل حاليًا 52 نقطة، ما يشير إلى الزخم الصعودي للذهب.
ثالثًا: مؤشر الماك دي (MACD) باللون الأزرق الذي يتجاوز الـ SIGNAL LINE باللون البرتقالي، الأمر الذي يعطي زخمًا إيجابيًا للمعدن الأصفر.
ويكمن التحدي القادم للذهب في الوصول إلى مستوى 2,700 دولار، ومن بعدها تسجيل 2,790 دولار، وهو المستوى القياسي الذي سجله في 31 أكتوبر 2024.
يرجى ملاحظة أن هذا التحليل يُقدّم لأغراض إعلامية فقط ولا ينبغي اعتباره نصيحة استثمارية. ينطوي التداول على مخاطر عالية.